خواطر رمضانية
التوبة الصادقة النصوح واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيَقدُم علينا شهر مبارك عظيم فإن من الأحرى لنا أن نسارع بالتوبة الصادقة فيما بيننا وبين ربنا من ذنوب، سواء كانت ذنوب ظلم النفس، أو التقصير بالفروض أو الواجبات، أو مما قد يكون بين العبد وربه، وأيضا كذلك مما قد يكون بين العبد وبين الناس من حقوق لهم عليه، حتى يدخل علينا شهر رمضان المبارك ونحن تائبون مقبلون على ربنا لتزداد حلاوة ثمرة أعمالنا ونسبة قبولها عند ربنا تبارك تعالى، ولتكون النفس مقبلة على فعل الطاعات مشتاقة لأدائها، بعد توفيق الله سبحانه لعبده وفضله عليه، بإعانته على وساوس الشياطين، بعد أن صقل العبد قلبه بالتوبة النصوح، وأصبح أكثر قرب من الله تعالى، فينشغل العبد بالطاعات والعبادات برحابة صدر، وطمأنينة قلب، ورضى نفس، وشوق لكل ما يقربه من الله تعالى .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) . [التحريم/٨] .
فالله تعالى عفو رحيم يحب لعباده التوبة والبعد عن الذنوب، وأمر الله جميع المؤمنين بالتوبة النصوح، حتى يفوزوا برحمته ويدخلوا جنته،
والتوبة النصوح، أن يتوب العبد من الذنب فلا يعود إليه .
والله يفرح بتوبة العبد أكثر ممن يفقد الشيء الذي لا غنى له عنه، وعندما يكون بأشد الحاجة إليه يجده، وقد كان فاقد الأمل بإيجاده،
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ ) . رواه البخاري (٦٣٠٨) .
ومعنى التوبة الرجوع لله تعالى بأداء ما أمر به والبعد عما نهى عنه، والإقلاع عن المعاصي ومحاولة بغضها، والندم على ما قد فات من التقصير في الطاعات والحرص عليها كما ينبغي .
السعي للإصلاح بين الناس قبل دخول الشهر قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) . [الأنفال/١] .
وقال تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) . [النساء/١١٤] .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ( هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) . رواه أبو داود ( ٤٢٧٣ ) والترمذي ( ٢٤٣٣ ) .
يخبر النبي ﷺ في هذا الحديث أن الإصلاح بين الناس أفضل من التطوع بالصيام والصلاة والصدقة .
فالسعي للإصلاح بين المتخاصمين مما رغب به الشرع كما سبق بالحديث والآيات، لإزالة البغضاء والعداوة والشحناء بين الناس، سواء القريب منهم أو الغير قريب .
عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا ) . رواه البخاري ( ٢٤٩٥ ) .
فحتى أن الشرع قد أجاز الكذب أثناء الإصلاح بين المتخاصمين إذا كان ليس فيه ضرر على أحد من الناس، فالإصلاح له فوائد عظيمة على المسلم، من أصفاء القلوب، وصلاح للنفوس، ولدرء العداوة والبغضاء والشحناء بين المسلمين .
روى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) . رواه مسلم ( ٢٥٦٥ ) .
فمع أقتراب شهر رمضان الكريم، فكم هو رائع أن نسعى للإصلاح بين المسلمين، فمن نعلم أن بينه وبين أخيه المسلم خصومة أو شحناء أو مقاطعة، فلنسعى للإصلاح بينهم بما نراه يناسب حال كل منهم، ليدخل عليهم هذا الشهر الفضيل وليس في قلوبهم غل أو حقد أو حسد أو بغضاء على أحد من أخوانهم، وليزداد شعور الألفة والمحبة بينهم، فيشعر المسلم بأحساس رائع لعدم وجود شحناء بينه وبين أحد من أخوانه المسلمين، ويعطيه هذا تحفيز على أغتنام الوقت من فضل توفيق الله له، لما قد تؤدي له الخصومة من التأخر في قبول العمل .
المسارعة في التفرغ من الأعمال التي قد تشغل المسلم عن أداء العبادات في رمضان
المسلم الفطن يعلم كم هذا الشهر ذو أهمية عظيمة، وما له من عظيم الفضل عند رب العالمين، لما يستطيع أن يغتنم فيه من الأعمال الصالحة ويدخر من الأجور، ولأن أجور الأعمال تتضاعف في رمضان،
لكن نظراً لكون الأنسان يحتاج للعمل حتى يكسب لمعيشته، فكان من الجيد له أن ينظم أوقاته ويحاول التفرغ للعبادات في هذا الشهر بالقدر المستطاع،
فإذا كان لدى الإنسان وظيفة فيرتب أوقاته بعد عودته من العمل، ويخصص من وقته هذا بما يقدر عليه لأداء العبادات،
وإن كان تاجراً فإنه يحاول الأجتهاد في العمل قبل دخول الشهر، حتى يدخر ما يقدر له لشهر رمضان، فإذا دخل عليه الشهر يكون لديه ما يكفيه من الوقت لتأدية ما يرغب به من العبادة،
وهكذا مثله البائع، وأصحاب المحلات، وغيرهم، فيرتبون وقتهم ويقومون ببعض الأعمال أستباقاً لرمضان، فيحاولون التفرغ قدر المستطاع لهذا الشهر العظيم، حتى يدخل عليهم الشهر وهم لديهم ما يحتاجون له من الوقت لأداء ما يمكنهم من العبادات، فيخصصون هذا الوقت للعبادات التي يقدروا عليها .
فليحرص كل منا على تنظيم أوقاته ومحاولة التفرع من الأعمال في رمضان، حتى يدخل علينا الشهر ولدينا ما يكفينا من الوقت للتقرب لله تعالى بشتى أنواع العبادات، فيغتنم الإنسان هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات، ويبتعد عن الذنوب والمعاصي والسيئات، حتى يُكتمل له أجر الصيام، عسى الله عز وجل أن يمن علينا بالقبول فيما قمنا فيه من أعمال، ويوفقنا للاستقامة على الحق والثبات على الأعمال الصالحة .
قال تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . [ ١٨٥/البقرة] .
فالله يريد لنا اليسر في الصيام وهذا مما يدخل البهجة للنفس، وكل ما كان فيه يسر فأنه يزيد من آداء العبادات .
الاستعداد نفسياً لأستقبال الشهر بفرح وشوق من دون عنت ومشقة للصيام هناك الكثيرين منا ممن تتوق نفوسهم لحلول شهر رمضان الكريم وهم بلهفة انتظاره، لما يحملون في نفوسهم من حلاوة الشعور بالصيام، ولجمال الجو الرمضاني،
ولكن وبالمقابل فهناك أيضا الكثير ممن يشق عليهم دخول هذا الشهر الفضيل! لما يحملون في أنفسهم من هم الصيام بالإمساك عن الشراب والطعام من الفجر وحتى غروب الشمس، ويرجع هذا على الأغلب لقلة علم صاحبه بالتوعية الدينية التي تغلب على الطباع، والتي ينتج عنها أفكار بأن الصيام له أهداف محدودة، منها كونه فريضة من أركان الإسلام يعاقب من يتركها، ومع أن الأمر كذلك ولكن أمثال هؤلاء يغفلون عن الجهة الأخرى للصيام بما له من الفوائد الجمة وعظيم الجزاء والمثوبة، والتي تتفاوت درجات هذا الجزاء بتفاوت أحوال الناس وأكثرهم قبولاً لصيامه، ولأن أعظم الصوام أجراً أكثرهم ذكراً لله تعالى وأخلاصاً بالنية وهكذا، فيتفاوت مقدار الجزاء بتفاوت أحوال العباد وقبول الله لأعمالهم،
وكذلك ما في الصوم من النفع للبدن وتخليص الجسم من أمراض كثيرة .
ومن هذا المنطلق هناك فرق بين الذي ينتظر رمضان على شوق لبلوغه والعمل فيه بما يشرع فيه من العبادات وأغتنام أوقاته، والتمتع بحلاوة أجوائه،
وبين من يعتقد أن شهر رمضان فريضة إلهية يجب القيام بها ويأثم بتركها ولها وقت محدود، فيكون مثل هذا يحمل في نفسه هم الصيام بمشقة وثقل نفسياً، وينتظر بفارغ الصبر انتهاء الشهر، حتى تعود نفسه تتلذذ بأنواع الطعام في أي وقت يرغب فيه، وهذا كما أسلفنا يعود أهم أسبابه لقلة التوعية الدينية وقلة الأهتمام .
ولذا فليكن كل منا على أطلاع بما في شهر رمضان من الخيرات الكثيرة، والفوائد المتعددة من فضائل الأعمال، وبما يستطع العبد أن يغتنم فيه من الحسنات والأجور الوفيرة، حتى تكون بمثابة دافع لنا للتسابق في الخيرات وأغتنام ما فيه من مضاعفة الأجور والحسنات، وليكن كل منا يسعى للتعلم ليعلم نفسه وأهله، ليتعلم ويعلمهم عن فضائل وفوائد هذا الشهر، حتى يكونوا في أنتظاره بلهفة وشوق للعمل فيه وأغتنام الأجور .